الكثير من دعاة المصريين للتظاهر في المناسبات، وضد السلطة، تغيب عنهم الكثير من الحقائق، خصوصا هؤلاء الذين إختاروا أن يعيشوا خارج الأراضي المصرية، برغتهم أو بدونها.
فقواعد اللعبة تغيرت تماما، والحقائق على الأرض ليست هي التي يعيشون عليها قبل سبع أو تسع سنوات، فمصر 2011 ليست هي مصر 2020، فالفارق الزمني شهد كثيرا من المتغيرات، وحقائق كثيرة تكشفت، حول ثورة 25 يناير، وما جرى بعدها من أحداث، وكذلك تلك المتغيرات التي شهدتها وما زالت تشهدها بلدان أخرى من أحدث مشابهة، أو متشابهة، وهذا الصراع الرهيب التي أضاع دولا.
عوامل أخرى أظهرتها الأيام، عن تلك الأطماع في بلدان المنطقة، الغالب منها لصالح إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وأطراف أجنبية أخرى بعضها يدعي كذبا وبهتانا أنه صديق، وبمجرد الالتفات، وإدارة ظهرك، يطعنك بدم بارد.
وتبيان حقائق أخرى أكثر وضوحا عن تلك الأطماع في السلطة أولا، ومصالح البلاد ليس لها مقام أو مجال في جانب من تلك الأطماع، فقد تم تعرية الجميع من الداعمين والممولين أنفسهم لكل الفرق ومن "هب ودب"، وقد تم كشف المستور وجرى فضح الكثيرين، وظهرت "حقائق" مغلوطة كثيرة.
والأهم من كل ذلك أن الناس أدركت أن فكرة النضال من خارج الحدود، لعبة مكشوفة وملغومة، ومن يدفع الثمن من يقع في الخطأ ويسير خلف شعارات ليس طرفا فيها، ولا يدرك حقيقة أصحاب المصالح ومن يرفعون شعارات النضال ومصالحهم الضيقة.
وقبل أيام خرج علينا المقاول "الفنان" الهارب حديثا محمد علي معلنا اعتزاله السياسة وعودته للفن والبيزنس، بعد فشل دعوته للتظاهر ورفض المصريين النزول في ذكرى 25 يناير.
وبث المقاول الهارب فيديو لايف على صفحته عبر فيسبوك ليؤكد أنه لم يستجب أي شخص لدعوته للتظاهر، معلناً اعتذاره للمصريين، قائلاً: "وارد جداً أكون غلطان وأنتم صح"، مضيفا، "الجيم انتهى معاكم بعدما حكم الشعب، وقرر عدم النزول للتظاهر".
وبدا واضحا أن هذا المقاول الذي دخل السياسة حديثا من باب "البزنس"، والمصالح الخاصة والضيقة، أنه لا يمتلك خبرة في العمل السياسي، وليس له سابقة نشاط وأعمال سياسية تشفع له، بل دخل النضال المزعوم من الخارج، على أمل أن يحصد شيئا، وربما يقتطف جزءًا من كعكة وطن تكالب عليه كُثر، إلا أنه ظنه قد خاب، ودخل مجالا بالطريقة الخطأ.
ويعود المقاول الهارب ليقول: "أنا بعتذر للشعب المصري الإجابة عليا النهارده ظهرت"، معلناً إغلاق صفحته على فيسبوك الساعة 12 مساء يوم 25 يناير، واعتزاله السياسة، وأن صفحته الجديدة ستكون عن الفن والبيزنس.
تلك هي القضية أيها السادة، زمن دعوات التظاهر إن لم يكن قد ولى فقد أغلق إلى حين، وحتى يدرك الجميع أن النضال للوطن قضية مبدأ ووفق تبني مواقف للوطن ومن أجله أولا، ولصالح هذا الشعب، وليس لصالح فئة، أو تنظيم أو جماعة، أو حزب سياسي، أو لدولة أخرى طامعة في وطننا.
وصحيح أن هناك نوايا طيبة من البعض، ومن نزل في 25 يناير لهم مبرراتهم، وأرادو خيرا لهذا الوطن، إلا أن هناك من باع، وهناك من اشترى.
ولا يمكن أن ننكر أن هناك أخطاء وما زالت قائمة، وهناك ضحايا في الشارع، وهناك من يزال يطبق القوانين بشكل خاطئ، أو من يطبق قوانينه الخاصة، وهناك مظاليم، وبيننا من يبحث عن قوت يومه ولا يجده، وهناك حريات ضيقة.
وتلك قضايا يعيشها ويشعر بها المواطن يوميًا وهو الذي دفع الثمن الأكبر في كل إصلاح اقتصادي، أو تصحيح لأخطاء سياسات الحكومة، أو فساد الفاسدين من داخل المؤسسات وخارجها، وهذه القضايا لا يمكن انكارها، أو التغاضي عنها، ودفن رؤوسنا في الرمال حيالها، فلابد من دق نواقيس الخطر بشأنها.
وفي المقابل علي الجميع الإدراك بأن زمن وآليات وأدوات التخريب والنضال على أكتاف الأخرين قد انتهت، فوعي الشعب والناس والبسطاء وصل لمرحلة النضج، وتعبيرات الناس في الشوارع وفي وسائل المواصلات وعلى المقاهي، فاقت دعوات الإحتجاج والتظاهر، والنزول إلى الشارع من أجل شعارات آخرين لم ولن تجد من يلبيها.
والرهان على الشعب لإحياء الموتى سياسيا أصبح رهانا من الخيال، فالقبور للموتي والأرض للشعب الحي، والنضال من أجل الناس وللناس وللوطن فقط.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري
من المشهد الأسبوعي